من الشاعر الذي قتله شعره
محتويات
من الشاعر الذي قتله شعره
يتعلق سؤال من الشاعر الذي قتله شعره بالشاعر الفذ “المتنبي”، والذي يُعتبر علمًا من أعلام الشعر العربي على مر تاريخه، فقد اشتُهر بفصاحة لسانه وروعة أفكاره وقوة بيانه، كما عُرف عنه ذكاءه الشديد في صياغة أبيات قصائده.
وهو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفيّ الكوفيّ الكنديّ، ويُكنّى بأبي الطيب ويُعرف بأنه شاعرٌ حكيمٌ وفخرٌ من مفاخر الأدب العربي، فله الكثير من الحِكم المُبدعة وذو عقلٍ واسع الاطلاع، وكانت ولادته بمدينة الكوفة في عام 915 ميلاديًا بمنطقة تُسمى كِندة، فنشأ في بلاد الشام وعاش حياة مُتنقلة، فدرس علوم اللغة العربية والأدبية.
من الشاعر الذي قتله شعره : بدايات المتنبي
كان والده يعمل كحامل خزانات مائية وافتخر بأصوله النبيلة والعريقة القديمة التي عادت إلى قبيلته، فالتحقت عائلته بجماعة الشيعة وعاشوا بين البدو وقد تعلم مذاهبهم وأتقن اللغة العربية، وقاد ثورة قرمية بسوريا سنة 932 م، وتم قمعه وسجنه لمدة سنتين وخرج وأصبح متجولًا.
يُقال أنه ادعى النبوة في منطقة بادية السماوة، وفضح أمره لؤلؤ أمير حمص نائب الإخشيد، وامر باعتقاله وتم إطلاق سراحه بعد ذلك، فقام بملازمة سيف الدولة بن حمدان فمدحه وأثنى عليه وشكره فتقرب منه وأعطاه العطايا والجوائز الثمينة.
شاعرية المتنبي
ظهرت موهبته الشعرية في صباه، وتتصف أشعاره بالحِكمة وقوة ودقة الصياغة وعدم التصنّع أو التكلّف، فتتمتع قصائده بالروعة والعذوبة وقمة الجمال من خلال مشاعره الجياشة وإحساسه الإبداعي المُتمثل في الهجاء، المدح، الرثاء، الغزل، وأيضًا الوصف الذي يعبر عما بداخله من كلمات توحي بالعظمة والإنسانية وتبرز مدى احتضان ذاته الإبداعية التي تثير الجدل بين المحدودية واللانهاية.
خصائص شعره الفنية
هذه القصائد تعكس صورة واضحة وصادقة عن الوقت الذي عاش فيه، فمن يقرأها يستطيع معرفة وفهم الذي حدث في زمانه من اضطرابات، كما تبين صفاته مثل الطموح والشجاعة وحبه للأموال وسخطه على بعض الناس ورضاه عن آخرين، وأيضًا يمتاز بالرزانة ورجاحة العقل، حيث كانت الألفاظ لديه جزلة وتعبر عن تخيلاته بأسلوب مميزٍ ومُبهر.
أغراض المتنبي الشعرية
قام المتنبي بالكتابة في العديد من الأغراض الشعرية، وعُرف عنه أنه ليس مُقلًا في الشعر، أي دائمًا ما يقوم بتجديد جلده من خلال الكتابة في شتى المواضيع مثل:
- المدح: مدح المتنبي صديقه سيف الدولة الحمداني في عدة أشعار، ومنها ما كان مطلعها.
“عَلَي قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتِي العَزائِمُ”.
“وتَأتِي عَلَي قَدِر الكِرامِ المَكارِمُ”.
- الوصف: صوّر المتنبي العديد من مظاهر عصره فغدّت أشعاره مرجعًا تاريخيًا عظيمًا يصف فيه الحروب التي حدثت في عصره وثقافة المجتمع، وغيرها، ومن أبياته في هذا الغرض:
“مَلاعِبُ جِنّةٍ لَو سَارَ فِيهَا”.
“سُلَيمَانُ لَسَارَ بتَرجُمَانِ”.
- العتاب: عاتب صاحبه بعد أن استطاع بعض المغرضين التفرقة بينهم وضمنّها بالفخر في نفسه قائلًا:
“أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي”.
“وأسمعت كلماتي من به صمم”.
- الهجاء: لم يُكثر المتنبي في شعره بالهجاء، ولكنه هجا كافور بطريقة تشمل السخرية ليجعل في هجائه حكمًا وقواعد عامّة وشاملة للأفراد.
- الحكمة: يتسم ما يكتبه المتنبي بالفصاحة والجهبزة الكتابية، فأصبحت كتاباته يرددها البشر، فهي تعبر عن آمالهم وآلامهم ومنها قوله:
“إذا غامَرتَ في شَرَفٍ مَرُومِ”.
“فَلا تَقنَع بما دونَ النّجومِ”.
انجازات المتنبي
بدأ في الكتابة عندما كان في التاسعة من عمره، فاعتمد على المديح الذي أسسه كلٌ من أبو تمام والبحتوري، فتدور أدبياته حول تعظيم الملوك الذين تردد عليهم خلال حياته، وبلغت الكتابات نحو 326 قصيدة ومن بين الموضوعات التي طرحها، فلسفة الحياة ووصفه للمعارك.
شاهد أيضًا: خواطر عن غدر الاصدقاء
اشهر اقوال المتنبي
للمتنبي العديد من الأقوال والأبيات التي ما تزال حاضرةً في عصرنا هذا، حيث خلد كلماته التاريخ وكتبت الأيام قوافيه بماء الذهب، ومن هذه الأقوال:
وكل الذي فوق التراب تراب.
أنا الغريق فما خوفي من البلل.
مصائب قوم عند قوم فوائد.
يا أمة ضحكت من جهلها الأمم.
الخيل والليل والبيداء تعرفني ** والسيف والرمح والقرطاس والقلم.
القصة وراء طرح سؤال من الشاعر الذي قتله شعر
قال المتنبي مجموعة من الأبيات التي قد تسبّبت في قتله، فهو قام بهجاء خال فاتك وهو طضبة بن يزيد الأسديّ العينيّط، وذَكر في قصيدته البائيّة الشهيرة والخالدة:
“ما أنصفَ القومُ ضُبَه”.
“وأمّه الطٌرطبّه”.
فعند عودته إلى بغداد برفقة ولده وغلامه، قد تعرض له بن أبي جهل الأسديّ وأصدقائه، وأدرك أنه مغلوب وأراد الفرار ولكن الغلام رد عليه: لا يتحدث الناس عنك بالهروب وأنت القائل:
” الخيل والليل والبيداء تعرفني ** والسيف والرمح والقرطاس والقلم”
فقال له قتلتني قتلك الله ثم عاد إلى القتال حتى توفي الثلاثة، وهكذا كان مقتله في النعمانية الواقعة بالقرب من دير العاقول في الجهة الغربية من سواد البغدادية.
شخصية المتنبي من خلال شعره
مرّ المتنبي بأربع مراحلٍ أساسية كونت شخصيته وجعلته على الحالة التي هو عليها، وجعلت منه أيضًا نجمًا مضيئًا في سماء الشعر العربي، وهذه المراحل هي:
- مرحلة الفتوة: كانت دماء التسرع والشباب تفوح من كيان شاعرنا، فالأشعار ترجمانًا لهواجس نفسه المغرورة التي اندفعت ثائرةً بكاءةً باحثةً عن مكانٍ بين العظماء ويقول:
“ردي حياض الردى يا نفس واتركي ** حياض خوف الردى للشاء والنعم”.
- عند سيف الدولة: انبرى في نعمه ظافرًا غانمًا وكان في الرابعة والثلاثين، فتجربته ذاق فيها من كيد الحسّاد ومحاولاتهم الدائمة للنيل منه، ففرق بين قلب يفرح بالنعمة وروح مكسورة من الناظرين إليه الذين دفعوه إلى الرحيل.
- في مصر: كانت التجربة لم ترقى أبدًا لمطامعه وتطلعاته حيث قال:
“ما كل ما يتمنى المرء يدركه ** تجري الرياح بما لا تشتهي السفن”.
- في فارس والعراق: كانت آخر محطاته التي كونت شخصيته، وفيها وصل إلى مرحلة التعب والانكسار وانطفاء تلك الشُعلة، وقد لجأ في هذه المرحلة إلى وصف الطبيعة، واختار أن يتقاعد ويريح نفسه من خيبات الأمل.